إعلام المجهود الحربي الإسرائيلي - الأميركي

مَزِّقوا مناهج كليّات الإعلام، وأعيدوا النظر بالكتب المقرّرة. لقد عانيتُ مع غيري طويلاً في إقناعكم بأن الإعلام الغربي هو غير ما يُصوَّر في الصحافة العربيّة. كنّا نأخذ هذا الإعلام على محمل الجدّ، وكنّا نكتب عن أقطابهم باحترام وتقدير كبيرَين. قبل أن آتي إلى أميركا، سمعتُ كثيراً عن الصحافيّة بربارة والترز، وكيف أنها ساهمت في الترويج لأنور السادات، وكان السادات يتحدّث عنها على أنها من كبار أعلام الصحافة الغربيّة. لم يكن هناك عولمة للشبكات الأميركيّة كما اليوم، حيث تمكن المشاهدة من أيّ مكان في العالم. احتجتُ أن أعيش في أميركا كي أكتشف ليس فقط أن بربارة والترز متطفّلة على الصحافة، بل إنها مشهورة بالصحافة الفنيّة لا السياسيّة. هي التي مرّة سألت نجمة سينمائيّة: أيّ شجرة تحبّين أن تكوني. وهي صهيونيّة عنصريّة صفيقة، مع أنها كانت قريبة من أثرياء العرب. وكنا نسمع عن شبكات الإعلام الأميركيّة، وكيف أنها تمثّل نخبة الإعلام.

في سنوات دراستي في جورجتاون، كان موضوع الرهائن الأميركيّة هو الشغل اليومي لكل وسائل الإعلام هنا. وكان هناك طلب على شخص أكاديمي لبناني شيعي كي يشرح لبنان للجمهور المُتعطّش لفهم لبنان وتشعّباته. وكان حضور فؤاد عجمي طاغياً، ولم يكن بعد قد جاهر بالصهيونيّة كما فعل في أواخر الثمانينيّات. استعانت بي شبكة «إن. بي. سي.» وكنت أقضي وقتاً مع رئيس الشبكة ونائب الرئيس ومحرّر الشؤون الدولية، بالإضافة إلى بعض المذيعين والمنتجين. أي أنني عرفتُ الشبكة من الداخل وعلى مستوى المسؤولين. وكنتُ أتناول وجبات الطعام في غرفة الطعام الخاصّة بالمسؤولين عن الشبكة. أدركتُ مدى عنصريّتهم وجهلهم سريعاً. لم أكن أرتدي ربطة عنق، وكانوا يسألونني بانتباه شديد: هل إن نفورك من ربطة العنق يعود لسبب ديني في الإسلام؟ وأقول لهم: لم تكن ربطات العنق سائدة في زمن الرسول كي يصدر تحريم أو تحبيذ بشأنها. ومرّة فضّلت الدجاج على لحم البقر فسألوني: هل إن نفورك من لحم البقر يعود لسبب ديني؟ وكنتُ أردّ: أنتم تخلطون بين الهندوس والمسلمين. كميّة هائلة من الجهل. وكنتُ أقول: إذا كان الجهل سائداً على مستوى النخبة، فما بالك بالعامّة؟ ومرّة استدعوني إلى نيويورك وقالوا لي: نريد أن ندشّن برنامجاً سياسيّاً أسبوعيّاً جديداً، وقد اخترنا لموضوع الحلقة الأولى، محمد حسين فضل الله (وكنت قد قابلتُه من قبل، وكانت الشبكة مهتمّة بآرائه لأنه كان بالنسبة إليهم المسؤول الأول عن ضرب مقر المارينز وعن خطف الرهائن). وقال لي محرّر الشؤون الدوليّة: ماذا لو أرسلنا فريقاً إلى بيروت كي نعلن له اختياره كالإرهابي الأوّل في العالم، ونسجّل معه مقابلة للحلقة الأولى. لم أصدّق ما سمعته، وأخبرتهم عن سعة نفوذه وعن احترامه من قبل فريق كبير من الشيعة ومن غير الشيعة.

المصدر: الأخبار